نفقة الزوجة على الزوج حتى ولو كانت غنية، وإذا عملت فينبغي أن تسهم في نفقات المنزل
قضية الإنفاق على بيت الزوجية مازالت تثير بعض المشكلات الاجتماعية الحادة بين الزوج والزوجة، وخصوصاً إذا كانت عاملة أو موظفة، وتنوعت القضايا والحوادث في هذه المسألة بين أزواج وزوجات في مختلف المجتمعات العربية والإسلامية، بين أزواج يطالبون الزوجات العاملات بضرورة الإسهام في نفقات البيت نتيجة التقصير في واجباتها الزوجية وبين زوجات يطالبن الأزواج بضرورة المساعدة في أعمال المنزل المختلفة وتدبير شؤون الأولاد الصغار نتيجة إسهامهن في الإنفاق في مصروفات المنزل والأولاد·
ومازال السؤال مطروحاً، هل الإنفاق يظل مسؤولية الزوج حسب رأى الشريعة الإسلامي؟ أم اختلف الأمر في ظل الأوضاع الاجتماعية الجديدة وخروج المرأة للعمل نظراً لمتطلبات ضرورية تطلبها الحياة المعاصرة··· وهل تصبح المرأة مطالبة أيضاً بالإسهام في الإنفاق مع الزوج نتيجة بعض التقصير في حقوق وواجبات الزوج والأبناء فيما يتعلق بشؤونهم الحياتية؟
حول أبعاد هذه القضية الاجتماعية المهمة من الناحية الشرعية يوضح الدكتور نصر فريد واصل مفتي الديار المصرية: أن الزواج في الإسلام له مكانته الرفيعة، فبه تتكون الأسر التي هي نواة المجتمع وسبيل استقراره، ولقد جعله الله تعالى من نعمه على البشر وعده من آياته فيه، لأنه يحقق السكن والمودة والرحمة بين الزوجين، مصداقاً لقوله تعالى في الآية 21 من سورة الروم: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) فالزواج في الإسلام عقد ميثاق غليظ بين الزوجين يرتبطان به ارتباطاً مقدساً ويندمج كل منهما في الآخر لقوله تعالى: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) البقرة:187، وتحقيقاً لأهداف الزواج من السكن والمودة والرحمة وإنجاب الذرية الصالحة التي تنفع دينها ووطنها فإن الشريعة الإسلامية قد أمرت بحسن العشرة بين الزوجين، وبينت حقوق كل منهما فوجب على كل من الزوجين أن يتقي الله في الآخر لقوله تعالى: (وعاشروهن بالمعروف) النساء:19، وقوله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)·
وأكد مفتي الديار المصرية أن الشريعة الإسلامية قررت أن من حق الزوجة على زوجها النفقة المقدرة شرعاً وهي كل ما تحتاج إليه الزوجة للمعيشة من طعام وكسوة ومسكن وخدمة وما يلزمها من فرش وغطاء وسائر أدوات البيت حسب المتعارف عليه بين المسلمين حتى ولو كانت الزوجة غنية بمالها·
وحول سبب وجوب النفقة على الزوج قال المفتي: إن السبب في ذلك هو احتباس الزوجة لأجل الزوج وطاعتها له في غير معصية واستمتاعه بها شرعاً، ذلك بأنه من المقرر شرعاً أن الزوجة لا يجوز لها الخروج من منزل الزوجية والعمل بأي وظيفة إلا بإذن زوجها حتى لو كان هذا العمل ضرورياً للغير، وهذا يكون بمقتضى حق القوامة وواجب الإنفاق اللذين خصهما الله بالزواج في قوله تعالى: (الرجال قوامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) النساء:34·وسألت المفتي··· ما الحكم إذا تزوجها الزوج وهي تعمل؟، هل عليه أن يمنعها من الخروج للعمل؟
ـ أجاب بقوله: إنه إذا تزوجها وهي تعمل أو رضي بعملها بعد الزواج واشترطت عليه أن تعمل فلا يجوز له أن يمنعها من العمل المباح شرعاً، والذي لا يضر بالأسرة في مجموعها، فالشريعة الإسلامية أوجبت الوفاء بالوعود والعهود والشروط لقوله تعالى: (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً) الإسراء:34، وقوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) المائدة:1، وقوله صلى الله عليه وسلم <المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً>، وقول عمر رضي الله عنه <مقاطع الحقوق عند الشروط> فقد نهانا الرسول صلى الله عليه وسلم عن إخلاف الوعد وجعل ذلك علامة على النفاق في قوله صلى الله عليه وسلم: <آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان> وعلى ذلك، فالزوج والزوجة عليهما تنفيذ الاتفاق المتفق عليه الذي تم بينهما قبل انعقاد الزواج لأن الوفاء بما تم الاتفاق عليه واجب شرعاً طالماً كان في حدود الشرع·
وعن النصيحة أو الكلمة التي يوجهها للزوج والزوجة في ظل الحياة الاجتماعية المعاصرة المليئة بالمشاحنات والاضطرابات بين الزوجين قال الدكتور واصل: إن الإسلام أمر الناس جميعاً ذكوراً وإناثاً بأن يتعاونوا على البر والتقوى لقوله تعالى في الآية 2 من سورة المائدة: (وتعانوا على البر والتقوى) فتعاون الزوجة مع زوجها له عامل رئيس في استقرار الحياة الأسرية ونشر السعادة والسرور بين أفراد الأسرة بما يحقق السكن والمودة والرحمة بينهم جميعاً تنفيذاً لقوله تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) الروم:21، كما يجب على الزوجة أن تحظى برضا زوجها وألا تتركه وهو عنها غير راض لقوله (ص) :أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة>، وعليها ألا تسمع إلا لمن يرشدها إلى تحقيق السعادة والطمأنينة لأسرتها وبيتها، فلا مانع شرعاً من أن تنفق الزوجة ما ادخرته من راتبها بما يعود بالنفع على بيتها وأسرتها لتحقيق السعادة لجميع أفراد أسرتها زوجاً وأولاداً، كما يجوز لها أن تدَّخر ما يفيض عنها لمصلحة الأسرة، إذا لم تقتضِ ظروف الأسرة إلى إنفاقه حتى يعم التعاون والوفاق بين جميع أفراد الأسرة وينشأ الأبناء في الأسرة على الإيثار والتعاون، كما أنصح الزوجين أن يراعي كل منهما الآخر ويؤدي حقوقه، وأن يعاون القادر منهما غير القادر حتى يتحقق الودُّ والسكن والرحمة بينهما، والزوجة الصالحة هي التي تساعد زوجها وتعينه على نوائب الدهر طالما أنه في حاجة للمساعدة·
أما رؤية علم الاجتماع لهذه القضية فيؤكد عليها الدكتور <علي ليلة> أستاذ الاجتماع بجامعة عين شمس في القاهرة: إن الأصل في الأسرة أن تقوم على التكامل بين طرفيها الزوج والزوجة والإسهام بين الطرفين في السراء والضراء، فالزواج شراكة إنسانية في أسمى معانيها، هذه الشراكة تقوم على التعاون والرحمة والإيثار والتضحية بين طرفي الزواج·
أماإذا كان بين طرفي الزواج الأنانية وتسلطت المصلحة المادية على المصلحة العامة للأسرة فسدت العلاقات الزوجية واضطربت الأسرة وخرجت للمجتمع أبناء وفتيات غير أسوياء·
وأشار د·ليلة إلى أن الزوجة مادامت تعمل فلابد أن يعود ناتج أو بعض ناتج عملها <المرتب> للأسرة ويكون إسهامها في نفقات البيت على حسب درجة ارتباط الزوجة بالأسرة ورغبتها في الارتقاء والنهوض بها في مختلف أوجه الحياة، وهذا الإسهام يكون تعويضاً عن التقصير الذي ينتج من غيابها لساعات طويلة خارج البيت التي هي حق الزوج والأسرة·
أما إذا امتنعت الزوجة عنا لإسهام بجزء من مرتبها في نفقات بيت الزوجية وتمسكت بضرورة إسهام الزوج في أعمال المنزل من نظافة وغسيل أو تنظيم أو متابعة الأطفال الرضع وعمل اللازم لهم في أثناء وجودها في العمل أو لأنها قسمت الوقت أو أيام الأسبوع لعمل هذه الأمور بين زوجها، فهذا غير مقبول منها على الإطلاق، وإذا وصل الحال بين الزوج والزوجة إلى هذا الحد لا يمكن أن تكون هذه حياة زوجية آمنة مستقرة، ولا يمكن أن تكون هذه هي الحياة الزوجية التي يريدها الله تعالى ورسوله للمجتمعات العربية والإسلامية·
ويضيف عالم الاجتماع <د·علي ليلة> أنه في غياب المشاعر الإيثارية وقيم التضحية والعطاء في الأسرة وبخاصة بين الزوج والزوجة، فلا يتصور قيام حياة زوجية سعيدة أو ناجحة بين الطرفين ولابد حتى تتحقق الحياة الزوجية السعيدة والمستقرة والصالحة لمواجهة تحديات المستقبل، أن يحضي الطرف الأول لإسعاد الطرف الثاني بأي شكل من أشكال التضحية لإسعاده وسروره·
ويشير إلى أنه إذا وصلت الأمور بين بعض الأزواج والزوجات إلى هذا الحد من الخلاف والشقاق حول مسألة الإنفاق، فيجب أن يكون هناك خطة للعلاج على المدى الطويل تشترك فيها وسائل الإعلام المختلفة من صحافة، وإذاعة وتلفاز، وكذلك المدرسة بحيث تكثف التوعية من خلال هذه الوسائل على قيم الترابط والتماسك والتراحم والتعارف والإيثار والتضحية لإسعاد الآخر، وختم رأيه بالقول: إننا لا نمنع المرأة من أنها تعمل وأن يكون لها دخل خاص بها وأن تكون ذمتها المالية مستقلة عن زوجها، وفي الوقت نفسه نهمس في أذن الزوجات العاملات أن الإسهام في نفقات بيت الزوجية يعمل على بقاء الأسرة على قيم المودَّة والتراحم والتعاون والحب ذلك لأن بقاء الأسرة على هذه الصورة أكثر كثيراً من العائد المادي أوالمالي·
ويشير الدكتور <أحمد أبوالعزايم> أستاذ الطب النفسي ورئيس جمعية حل الصراعات الأسرية بالقاهرة، إلى أن مسألة الإنفاق على بيت الزوجية وإسهام الزوجة العاملة فيه من أهم الموضوعات التي توليها الجمعية اهتماماً بالغاً وتتدخل الجمعية لحل هذه المشكلة، لأكثر من 06% من الأسر المصرية·
وتتركز النصيحة أو العلاج لمثل هذه الحالات بالتحليل النفسي على حال الزوج أو الزوجة ومدى استعداد الزوجة للإسهام في نفقات الأسرة ومحاولة الوصول إلى حل سلمي أو وسط يرضي الطرفين· ونلجأ في كثير من الأحيان إلى رجال الدين الإسلامي أو المسيحي لمساعدتنا في حل هذه المسألة ذلك لأن جانباً كبيراً في حلها يتعلق بالناحية الدينية·
وأكدت كل الدراسات النفسية التي أجريت على آلاف العينات التي تعاني من هذه المشكلة إلى أهمية وضرورة إسهام الزوجة العاملة بجزء من مرتبها في نفقات البيت، وكلما كان هذا الإسهام فيه نوع من الرضا والسماحة كلما كان التفاهم والاستقرار أكثر، وكانت السعادة والاستقرار هي سمات الأسرة العربية سواء أكانت في مصر أم في غيرها من البلاد العربية أم الإسلامية·
-----------------------------------------------